يالا هذا الزمان العجيب !! هكذا إستهل " سي محسن " جملته وهو يتصفح بعض الأخبار على المواقع الإجتماعية ، هنا يقولون أن الأزمة المالية العالمية إمتدت لتضرب القطاع المصرفي في قبرص وسط مخاوف المواطنين من سنوات عجاف وفقر مفاجئ بعد أن خُيّل إليهم أنهم بركب الدول المتقدمة سائرون وللرفاهية مُلاقون . وهناك في ركن ما من الشبكة العنكبوتية جحظت عينه و كتم أنفاسه للحظات وكأنما جثم على صدره ملك الموت ، حبيبات من العرق وأصابع ترجف من التوتر ..
- مستحيل ! لا يمكن ! هذا الخبر ليس إلا إشاعة إعتدنا على أمثالها في هذا الفضاء العجيب !
ظلّ يردّدها بصوت عالي راجيا نفسه بأن يسمعه أحدٌ ما ويشاركه حيرته ..
ف "سي محسن " موظف متقاعد خَبِر الحياة وقسوتها وهو مُطلع على أخبار البلاد وأمور العباد ، وله تكتيك خاصّ لإدارة الأزمات فهو الحريص على الحسابات والتدقيق في الأموال والأمانات في زمن الخيبات والإختلاسات ، فبعد مسيرة عمل عُرف خلالها بالصرامة والتقشف في موارد الإدارة هاهو اليوم بعد سنين التقاعد المملّة والمميتة يجد نفسه مجبرا على التّقشف ومن جديد ولكن في بيته ..
- كيف لهم أن يفعلوا هذا ؟ مستحيل ! الذنب ليس ذنبي ! لن أرضخ ولن أساهم في هذه المسرحية !! نظام الضرائب على الودائع البنكية هذا ليس إلاّ مؤامرة من البنك الدولي لإغراق البلاد ودفن محسن وأمثال محسن وهُم على قيد الحياة !!
إنفعال ربما غير مبرّر ظهر على ذلك الكهل بعد أن سرت الإشاعة في جسمه وعقله ولسان حاله يقول :
- ماذا لو أن الخبر صحيح وسيفرضون ضريبة على الودائع البنكية ؟ ترى هل أنجو بنقودي ونقود عيالي أم أرابط وأنتظر تكذيبا يأتي من هنا أو هناك ؟ وماذا لو تمّ فعلا إقرار الضريبة ؟ هكذا بسهولة يُؤخذ منّي تعب السّنين وقوت الأولاد !! رفع سماعة الهاتف واتصل برقم هو لا يعرف غيره في مثل هذه اللحظات.
كان " سي الهادي " منشغلا جدّا لدرجة انه لم يسمع رنين الهاتف أو لم يُعِره إهتمامه فهو في حضرة طيوره الذي أفنى عمره في رفقتها .يحب زقزقتها ويُطرب لها ويشكي لها حاله الذي تدهور بعد تركه الإدارة وبعد وفات رفيقة دربه وسفر ولده الوحيد . فلم يبقى له شيء في الدنيا يُؤنس وحدته غير سي محسن وتلك الطيور .
- وبماذا سيفيدني " هادي " ؟ فكعادته سيقابلني بوجه بارد وبمقولته الشهيرة " الوطن مستحقلك يا سي محسن ".
وأي وطن هذا يحتاج ملاليم محسن ؟ وكأن محسن يعيش بمفرده في هذا الوطن ! مالحل ؟ من سيشاركني حيرتي وشكوكي ؟ ترى هل أخبر " أم الأولاد " ؟ لا لا فكرة سيئة ستجعلني أندم وتعاتبني ككل مرة وتجعل مني ذلك العجوز الذي أرهقه التقاعد وكثرت خرافاته.
دقائق من التفكير مع مبالغة في القلق لم يقدر على إخفائه ، ظلّ يقلب صفحات الإنترنت بحثا عن من يؤكد أو ينفي الخبر ، يستمع إلى النشرة الإقتصادية بإمعان كبير وكأنه يترقب لحظة بداية الحرب.
الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهيرة وهذا موعد لقاء " الدكتور " ، أفاق " سي محسن " من حيرته وإستعد للقاء طبيبه ليطمئنه أن ضغط الدم عالي وعليه أن يتبع الحمية ويبتعد على الإنفعال ويمارس الرياضة..