Rechercher dans ce blog

dimanche 1 mai 2011

الدفع نحو المعركة الخطأ قراءة في مجريات المعركة قبل الحل


نبهنا في مقال سابق نشر قبل قيام الثورة بأيام معدودات تحت عنوان "سيدي بوزيد وأسئلة السياسة المغلوطة" إلى أن حسن السؤال هو نصف الإجابة وبيّنا كيف لم تنجح السلطة القائمة آنذاك في احتواء حركة الشهيد محمد البوعزيزي لأنها لم تحسن مساءلتها، كما فسرنا الانفصام القائم بين النخبة السياسية والجماهير التي ثارت ونجحت في ثورتها دون قيادة سياسية واضحة بسبب ما اعتبرناه عجزا لدى النخبة في صياغة الأسئلة الحقيقية التي تتطلبها المرحلة.

واليوم نعود لنؤكد أن المسار الذي تُدفع نحوه الثورة التونسية قد يؤدي بها إلى الوقوع في مطب الأسئلة المغلوطة إذا لم يتدارك أهلها من كل أطياف الشعب الأمر وبالسرعة المطلوبة، لأن هناك طرفا في تقديرنا يدفع وبكل قوة إلى أن يخوض التونسيون المعركة الخطأ في الزمن وفي المضمون.

الدفع نحو المعركة الخطأ
"
يعمد عدد ممن يصنف نفسه ضمن النخبة إلى تحويل اهتمام التونسيين إلى قضايا هامشية لا علاقة لها بجوهر قضاياه المطروحة عليه بعد الثورة
"
لسنا هنا في موقع إلقاء التهم وتوزيعها، فليس هذا مما نطرحه على أنفسنا، ولكن الإشارة إلى طرف ما من خلال أطروحاته لا مناص لنا منها مادمنا نريد أن ننبه إلى طبيعة المعركة التي نعتقد أنها خطأ في الزمان والمكان والمضمون.

المعركة التي نقصد ونسعى إلى تناولها في هذا المقال هي هذا الجدل الفكري العقيم الذي هيمن على النخبة التونسية أياما قبل أهم انتخابات ستشهدها البلاد التي ستحدد مصير الشعب والاجتماع المدني والسياسي ما لا يقل عن نصف قرن قادم على الأقل، ونقصد بذلك انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.

في هذه المرحلة الحرجة والحساسة من تاريخ تونس التي تتطلب تكاتف كل الجهود من أجل تشخيص القضايا الحقيقية التي على النخبة والشعب أن يخوضا فيها، يعمد عدد ممن يصنف نفسه ضمن النخبة إلى تحويل اهتمام التونسيين إلى قضايا هامشية لا علاقة لها بجوهر قضاياه المطروحة عليه بعد الثورة.

النخبة التي نقصد هي قلة ممن يزعمون أنهم علمانيون وأنهم جندوا أنفسهم لحماية علمانية تونس مما يتهددها من مخاطر فكر الحركات الإسلامية التي يحلو لهم أن يسموها في لحظات صفائهم بالحركات الرجعية، أما في حالة تشنجهم فيطلقون عليها نعوت الإرهاب والتطرف وغيرها

قراءة في مجريات المعركة
سنفترض جدلا حتى لا نتهم بأننا منحازون أو نصادر على المطلوب بأن في فكر هذه الحركة ما يصنف رجعية أو تطرفا، فهل يمكن لعاقل يطرح على نفسه أن يكون من رواد النهضة ببلاده، وبلاده تمر بحالة ثورة أن يقف ليجادل في نصيب المرأة من الميراث أو أن يعطل الحياة السياسية والتوافق المدني حتى ينتزع من قادة الحركة الإسلامية وثيقة اعتراف تقر بأنهم يقبلون بتساوي شهادة المرأة والرجل؟

بصرف النظر عما تثيره قراءة هؤلاء الذين يسمون أنفسهم نخبة علمانية لمثل هذه القضايا الفقهية الجزئية من لبس يشير إلى أنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى التمعن في قراءة المدونة الفقهية التقليدية، بصرف النظر عن هذا كله من المهم والمنطقي أن نسألهم إن كان ذلك فعلا هذا هو التحدي الأكبر للشعب التونسي في هذه المرحلة؟

الإجابة بالطبع وحسب ما نرى هي بالسلب، لأنه حتى في صورة أن ذلك صحيح وخطر قائم فانه ليس أولويا، ذلك أنه مهما بلغت رجعية أفكار الحركة الإسلامية كما يزعم خصومها فليس المطروح على التونسيين الآن مجادلتها في قضايا فرعية لن تتقدم بالبلاد قيد أنملة.

"
كيف يمكن أن نؤسس للتعايش بين مختلف الأفكار والتوجهات في بلد عاش منذ قيام الدولة فيه على منطق الإقصاء ومبدأ "ما أريكم إلا ما أرى"
"
ولا عبرة هنا لما يقوله هؤلاء الخصوم من أن مكاسب الحداثة مهددة من هذه الحركة وأن عليهم أن يطمئنوا قبل مواصلة المسير إلى أن الحركة الإسلامية راجعت موقفها تجاه هذه القضايا، لأن قطار الأحداث لن ينتظر الجميع حينها، وسيفيق الجميع على مشهد كاريكاتوري تقف فيه النخبة المزعومة تفتخر بما حققته من انتصار على الحركة الإسلامية، وتسوق فيه هذه الأخيرة ما تعده تفاعلا إيجابيا مع مكونات المجتمع المدني, لكن المجتمع الحقيقي سيكون لحظتها قد حزم حقائبه وسافر إلى نمط اجتماع آخر خال من الطرفين المحتربين يعد له المتربصون بالثورة حتى قبل قيامها.

هل يكفي أن يسلم الإسلاميون بما يقوله العلمانيون تسليما كاملا غير منقوص مصادقا عليه من هؤلاء الذين يسلطون عليهم سيف التفتيش في النوايا وهم لم يقرؤوا كتابا واحدا من كتب هذه الحركة لتتقدم الثورة نحن تحقيق أهدافها، أم أن التحدي أكبر من ذلك بكثير؟

مما لا شك فيه عندنا أن المطروح الآن وهنا ليس مآل هذا التجاذب الفكري العقيم، بل المطروح هو كيف يمكن أن نؤسس للتعايش بين مختلف الأفكار والتوجهات في بلد عاش منذ قيام الدولة فيه على منطق الإقصاء ومبدأ "ما أريكم إلا ما أرى".




قبل الحل
ليس هذا بالأمر الهين في نظرنا، لأنه يتطلب من الجميع ودون استثناء أن ينزعوا أنفسهم من أنفسهم وأن يتطهروا من أثر الاستبداد فيها قبل أن يواصلوا الطريق من أجل نزع منظومة الاستبداد من أجهزة الدولة والمجتمع عموما.

نقول ذلك لأننا ننطلق من بديهة لا يختلف فيها اثنان، مفادها أن الاستبداد يترك في نفوس الخاضعين له بعض أثر مهما بلغت نقاوة النفس وطهوريتها، أثر في الأفكار التي تستبطن وضع المظلومية والاستثناء فتتأبّى على المراجعة وتنكفئ على نفسها حتى تحافظ على هويتها طالما استمرت معركتها ضد المستبدين، وأثر في النفس التي تستبطن القهر فتشتبه عليها علامات الطريق وتأخذ الناس على الشبهات وتلجأ إلى التصنيف... كل ذلك من شأنه أن يقلل من إمكانات التعايش والالتقاء، بما أن الكل يقف موقف المتحفز من الكل.

إن هذه البديهة التي ننطلق منها تمكننا من القول ودون مواربة إن ما يطرح من قضايا لا تمس جوهر هذه المشكلة هي قضايا لا علاقة لها بالمجتمع، وهي من شأن ثقافة الانهزام والمهزومين أو بتعبير علم الاجتماع هي من مصطلحات الثقافة التابعة التي تستنسخ ولا تبدع، تستنسخ مشكلات مجتمعات أخرى تفوقها حضورا وفعلا في التاريخ وتسقطها على مجتمعها دون إدراك للشروط الموضوعية والتاريخية المختلفة.

"
هل يدرك التونسيون اليوم أصحاب الثورة النموذجية أن أسلافهم رغم معاناتهم العظيمة من استبداد دولة الاستقلال، لم يحيدوا باجتماعهم المدني غير المتطور عن أسس التعايش المشترك؟
"
إن حالة الاحتراب الثقافي التي يحاول هؤلاء العلمانيون جر البلاد إليها تثبت حقيقة أنه لا علاقة لهم بواقعهم وأنهم منبتون عن قضاياه الحقيقية، فالشعب التونسي منذ قيام الدولة الحديثة لم يجعل من الاختلاف حول هذه القضايا الفرعية مشكلته الرئيسية، إذ لم يسجل تاريخ هذا الشعب أنه أوقف الزمن عند لحظة صراع حول مفهوم من المفاهيم مع سلطة دولة الاستقلال التي كانت تخوض حربا شعواء في هذا الإطار تحت حجة تحديث الدولة ونشر الحداثة، لكنه في المقابل وقف سدا منيعا إزاء التدخل المباشر والعملي للسلطة في مثل هذه القضايا، لم يقف عند سن مجلة الأحوال الشخصية بما فيها من قضايا فقهية خلافية، لكنه ثار حين حاول بورقيبة إكراه الناس على إفطار رمضان.

فهل كان ذالك الجيل من الشعب التونسي يستبق هذه اللحظة التاريخية الهامة التي تمر بها تونس ليعلم القائمين عليها والفاعلين فيها أن الصراع على المفاهيم كبرت أو صغرت هو صراع عقيم يقع خارج الزمان والمكان ولا طائل من ورائه؟

هل يدرك التونسيون اليوم أصحاب هذه الثورة النموذجية أن أسلافهم رغم معاناتهم العظيمة من استبداد دولة الاستقلال، ورغم نقص الوعي المواطني عندهم لم يحيدوا باجتماعهم المدني غير المتطور عن أسس التعايش المشترك؟

الحل
كيف يمكن إذن لتونسيي الثورة أن يستفيدوا من تاريخهم ومن حاضرهم ويتجنبوا خوض المعركة الخطأ بدل أن يفوتوا على أنفسهم فرصة صنع الحدث والريادة فيه؟

لا يمكن أن نسلم بأن الجميع يدرك هذه الضرورة التي تحتمها المرحلة على الفاعلين في الحياة المدنية والسياسية، فبعض هذا الجميع جاهل بترتيب الأولويات وبعضهم مستيقن بها، لكن نفسه تجحدها ظلما وعلوا، وهم الفئة التي عنينا في مقالنا هذا.

هذه الفئة التي تصر على أن معركة تونس اليوم هي معركة نصيب المرأة من الميراث، وهم يجهلون تماما أن المرأة والرجل على حد سواء في تونس لا يجدون ما يورثون ولا ما يرثون، إذ أكل الاستبداد القديم كل ما يملكون، وهي الفئة نفسها التي تصر أيضا على أن المعركة معركة تساوي الشهادتين، وهم الذين ظلوا طيلة نصف قرن غير قادرين حتى على نصف شهادة أو مجبرين في أحسن الحالات على بذل شهادة زور تسوق للاستبداد إن لم يتطوعوا بمحض إرادتهم لفعل ذلك.

هذه الفئة أيضا ترى المعركة معركة فصل الدين عن الدولة وهم يجهلون أنه لا شيء في بلادنا عانى من تدخل الدولة بطريقة فجة مثلما عانى الدين الذي ظل موصى عليه طيلة أكثر من نصف قرن لا يسمح لمعتنقيه بممارسته إلا وفق إرادة السلطة وجهاز البوليس، بما يعني أن هذا الفصل لن يكون في صالحهم في كل الحالات بما أنه سيسمح للناس باختيار أئمتهم بكل حرية وأن يعود المسجد للعب الأدوار التي كان يقوم بها اجتماعيا ومدنيا، ولأنهم لا يملكون الشجاعة ولا القدرة على التعامل مع المسجد كمؤسسة من مؤسسات المجتمع الأهلي خارج أوقات العبادة المعروفة فإنهم سيواصلون غيهم وإصرارهم على هذه المطالب التي لا تميز الخبيث من الطيب.

"
قد نتفهم موقف الحركة الإسلامية المدافع عن خياراتها التي شوهت طيلة عشريتين كاملتين، لكن مواصلة التمترس في خط الدفاع يبعث الريبة والشك في نفوس الذين تتوجه إليهم الحركة بالخطاب
"
ولكن أين الحركة الإسلامية من كل ذلك، هل هي براء من مسؤولية هذه المعركة الخاطئة براءة الذئب من دم يوسف؟ في الحقيقة لا يمكن أن نسلم لها بالبراءة التامة، لأن الدم تفرق على كل أقمصة الشعب التونسي على اختلاف بينهم في الدرجات، ونصيب الحركة الإسلامية من هذا الدم ليس قليلا بما أنها الطرف المؤهل أكثر لتحقيق طموحات هذا الشعب والالتصاق بقضاياه الحقيقية والاستجابة لهمومه اعتبارا لتاريخها في مقاومة الاستبداد ولحجم حضورها في المجتمع مقارنة بهذه الفئة التي تصر على البقاء في برج عاجي لا همّ لها إلا تهميش الناس عن مشاكلهم حفاظا على مواقعه سلطتهم التي تبؤوها قديما.

يكفي الحركة الإسلامية مسؤولية هنا انجرارها إلى مربع النقاش العقيم الذي تخوضه الفئة الواهمة، لأن مثل هذا الانجرار يعبر عن نقص في الوعي بحقيقة التغيرات التي عمت البلاد وبعظمة الرهانات المطروحة على الحركة الإسلامية كطليعة من طلائع إنجاح الثورة وتحقيق الآمال.

قد نتفهم موقف الحركة الإسلامية المدافع عن خياراتها التي شوهت طيلة عشريتين كاملتين وقد نقبل عملها من أجل إيضاح الصورة المفبركة في أذهان عامة الناس عنها، لكن مواصلة التمترس في خط الدفاع يبعث الريبة والشك في نفوس الذين تتوجه إليهم الحركة بالخطاب فلا يكرر خطاب الدفاع إلا من كان يخفي شيئا، ولأن الحركة الإسلامية في تونس على ما خبرناه منها لا تخفي إلا ما تظهر فإن عليها أن تدرك أن اللعب وسط ساحة صغار النفوس -وليست منهم- يؤخر بها وبالبلاد أشواطا حتما هما في غنى عنها في مثل هذه المرحلة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire